د/ شيماء احمد
استشاري الصحه النفسيه والارشاد الاسري

 

 

في السنوات الأخيرة، بدأت تتزايد الشكاوى من متخصصي الصحة النفسية حول شعورهم بالإرهاق، والتعب المستمر، وفقدان الشغف تجاه عملهم. هذا الشعور لا يقتصر على ضغط العمل فقط، بل يتعداه إلى ما يُعرف علميًا بـ”الاحتراق النفسي” (Burnout). يعتبر الاحتراق النفسي ظاهرة شائعة لدى مقدمي الرعاية النفسية، نظرًا لطبيعة عملهم الذي يتطلب تعاطفًا مستمرًا مع الآخرين، والإنصات لمعاناتهم، مع قلة الفرص للتنفيس أو التقدير الكافي.
تصاعد المشكلة: الأسباب والعوامل المؤدية للاحتراق
الاحتراق النفسي لا يحدث فجأة، بل يتصاعد تدريجيًا نتيجة تراكم عدة عوامل، منها:
1.العبء العاطفي: المعالج النفسي أو الأخصائي يُطلب منه أن يكون حاضرًا ذهنيًا وعاطفيًا مع كل حالة، ومع تكرار الاستماع لمشاعر الحزن، والقلق، والصدمة، يبدأ جهازه النفسي في الإرهاق.
2.ضعف التقدير المجتمعي: بالرغم من أهمية الدور الذي يقوم به مقدم الرعاية، إلا أن المجتمع في بعض الثقافات لا يعطيه المكانة أو التقدير المادي والمعنوي الكافي.
3.تراكم الحالات دون فواصل للراحة: المعالج الذي يستقبل عددًا كبيرًا من الحالات يوميًا، دون أخذ فواصل للراحة أو دون وجود دعم نفسي له، يكون أكثر عرضة للاحتراق.
4.تداخل الحياة الشخصية والمهنية: من الصعب أحيانًا الفصل بين مشاكل المراجعين والمشاكل الشخصية، خاصة عندما يفتقر الأخصائي لنظام دعم خاص به.
النتائج المترتبة على الاحتراق النفسي
•تراجع جودة الرعاية المقدمة للمراجعين.
•شعور باللامبالاة تجاه مشكلات الحالات.
•أعراض جسدية مثل الأرق، والصداع، والتعب المزمن.
•أفكار سلبية حول المهنة، قد تصل إلى رغبة في ترك المجال.

الحلول والنصائح المقترحة

لحسن الحظ، يمكن التخفيف من حدة الاحتراق النفسي، أو الوقاية منه تمامًا، من خلال تبني بعض الاستراتيجيات:
1.التوازن بين العمل والحياة: من المهم تحديد أوقات للراحة والأنشطة الترفيهية، بعيدًا عن بيئة العمل النفسي.
2.الاستفادة من الإشراف النفسي (Supervision): تلقي إشراف منتظم من أخصائي أكثر خبرة أو من زميل يُعتبر متنفسًا، يسمح بمشاركة الضغوط والتعامل معها بشكل مهني.
3.ممارسة الوعي الذاتي (Self-awareness): أن يكون الأخصائي على وعي بمشاعره الخاصة، ويعترف بإرهاقه مبكرًا قبل أن يتحول لأزمة.
4.اللجوء للعلاج الشخصي: لا يُعد عيبًا أن يطلب المعالج النفسي المساعدة لنفسه، فكل شخص معرض للضغط ويستحق دعمًا صحيًا.
5.الدعم المؤسسي: المؤسسات التي يعمل بها مقدمو الرعاية النفسية يجب أن توفر بيئة داعمة، من خلال تخفيف العبء، وتوفير فرص للتدريب والتقدير المادي

تلخيص بسيط

الاحتراق النفسي لا يُعد ضعفًا، بل هو ناتج طبيعي لضغط العمل المستمر والتعاطف العميق مع الآخرين. التعامل معه يبدأ من الاعتراف بوجوده، ثم اتخاذ خطوات عملية للحماية الذاتية. مقدمو الرعاية النفسية يستحقون أن يُقدَّم لهم الدعم بنفس القدر الذي يقدّمونه لغيرهم، لأن صحتهم النفسية هي حجر الأساس لصحة المجتمع ككل.

One Response

  1. بالتوفيق الدائم د. شيماء.. مع الأخذ في الاعتبار أن أكثر الشخصيات عرضة للاحتراق النفسي هي: نمط الشخصية أ.

اترك رداً على د. محمد فرج إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *