أ / أمنــة عثمــــان
أخصائية الصحة النفسية والإرشاد الأسري
عضو التحالف العربي لخبراء العلاج النفسي
في السنوات الأخيرة، شهدنا تزايدًا ملحوظًا ومقلقًا في حالات العقوق، حيث أصبح كثير من الأبناء يظهرون سلوكيات تتسم بعدم الاحترام أو الرفض الصريح لسلطة والديهم. ومع الانتشار الكاسح لمنصات مثل “تيك توك” ووسائل التواصل الاجتماعي، تداخلت القيم الافتراضية مع القيم الأسرية، فأصبح من الصعب على كثير من الأسر ضبط هذا التداخل دون صدام.
ما هو “عقوق الوالدين” في السياق النفسي؟
لا يقتصر العقوق فقط على رفض الأوامر، بل يتسع ليشمل غياب الاحترام المتبادل، نفور الأبناء من الحوار، فقدان الصبر في التفاعل مع الأهل، وأحيانًا استخدام كلمات أو تعبيرات تحمل قدرًا من الاستخفاف أو الإساءة، سواء بشكل مباشر أو عبر مقاطع مرئية على الإنترنت.
ولعلّ ما يزيد من تعقيد الظاهرة هو أن بعض هذه السلوكيات تظهر في أعمار مبكرة، كأنها رد فعل دفاعي تجاه ضغوط داخلية يعاني منها المراهق، نتيجة تعرضه لصدمات من واقع رقمي سريع، يصدر له قيمًا وسلوكيات لا تمت بصلة لهويته الثقافية أو النفسية.
كيف يظهر العقوق الحديث؟
-
نظرات تحمل اللامبالاة أو التقليل من شأن الوالدين.
-
ردود حادة أو صوت مرتفع في النقاش.
-
التهكّم على الأهل في العلن أو عبر المنصات الرقمية.
-
الاستهانة بالتضحيات التي يقدمها الآباء لتأمين حياة كريمة للأبناء.
ما الذي يمكن فعله؟
الحلول لا تكمُن في العقاب وحده، بل تبدأ من الوقاية المبكرة:
-
وضع حدود لغوية وسلوكية منذ الصغر، وتأكيد أن “الاحترام” لا يعني الخضوع، بل هو قاعدة للحوار الصحي.
-
الرقابة غير المباشرة على المحتوى الذي يستهلكه الأبناء، دون اللجوء للمواجهة أو القمع، بل عبر التحاور وتقديم بدائل.
-
استخدام العقاب التربوي الإيجابي، مثل الحرمان المؤقت من بعض الامتيازات، مع شرح واضح للسبب، دون إهانة أو إذلال.
-
غرس الوازع الديني والقيمي منذ الصغر، من خلال القدوة والحنان، وليس بالتلقين.
-
بناء علاقة قائمة على الحب والاحتواء، لأن الابن الذي يشعر بالتقدير الحقيقي، نادرًا ما يتعمد الإساءة.
وأخيرًا…
إن تربية الأبناء في هذا العصر الرقمي تحتاج إلى صبرٍ مضاعف ووعيٍ مرن. فالمشكلة لا تكمن فقط في الأبناء، بل في تغير البيئة بالكامل. والمطلوب من الأهل اليوم أن يكونوا مرنين، حازمين، محبين… وقادرين على التعلم من جديد.